الصيام والتدخين 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين . . . أما بعد : 
فكم هي الأبواب والستور التي هتكها ودخلها كثير من المسلمين ، وهي مؤدية إلى عذاب جهنم والعياذ بالله ، وكم هو الحرام الذي يمارسه بعض ضعاف النفوس من المسلمين ، بلا تأن ولا هوادة ، ولا خوف من الله وعقابه ، غير آبهين بما أعد الله لمن عصاه وخالف أوامره ، وانتهك نواهيه ، أسأل الله أن يسامحنا وأن يعين كل مدخن علي تركه . فقد قال سبحانه وتعالى : " ومن يعص الله ورسله يدخله نار جهنم خالدين فيها أبداً " [ الجن ] . 
ومن أعظم ذلك وأخطره ، تعاطي الدخان ، واستعماله بيعاً وشراءً ، واستخداماً ، كم هي الأمراض الفتاكة التي فتكت بالكثير منهم بسبب تعاطي الدخان ، وكم هي الأسر التي يتم أطفالها ، ورمل نساؤها ، بسبب تعاطي الدخان ، تلك العادة المستوردة من بلاد الإفرنج ، بل من بلاد الكفار أعداء الله ، وأعداء الإسلام ، وكم هي المخططات الصهيونية النصرانية ، التي خطط لها الأعداء ، فوقع في شباكها الكثير من المسلمين ، فلقد ابتلي الكثير منهم بشرب الدخان ، وتعاطيه دون خوف ولا حياء من الله تعالى ، مع أن الآيات تتلى عليهم ليلاً ونهاراً ، والأحاديث تلقى عليهم جهاراً ونهاراً ، ولكن عميت القلوب عن اتباع كلام الله ، والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أصبحت القلوب كالكوز مجخ ، لا يعرف معروفاً ، ولا ينكر منكراً ، نعوذ بالله من الخذلان ، ومن الانتكاسة بعد الاستقامة . 
والصيام فرصة عظيمة للمدخنين ، فهو يساعد المدخن على ترك عادة التدخين المحرمة إلى الأبد ، وذلك لأن الصائم يصوم عن الدخان فترة لا تقل عن اثنتي عشرة ساعة في اليوم ، وهذا دليل على أن المدخن يستطيع أن يترك هذه العادة القبيحة المستقذرة بكل يسر وسهولة ، ولكن لما أحكم الشيطان وثاقه على بعض الناس أصبحوا يرون أنه من الصعوبة بمكان ترك التدخين ، ولا شك أن هذا من تلاعب الشيطان ووسوسته لهم ، وتثبيطه للهمم المسلمة حتى تألف عادة الغرب المدمرة ، لتدمير المسلمين بهذا القاتل البطيء ، وهذا السم الزعاف ، ولهذا نجد الكثير من المسلمين يقبل على الدخان بكل شراهة ، وكأنه من الطيبات ، فرمضان فرصة لتصحيح الاتجاه ، وتقويم الطريق ، وترك الدخان خوفاً من الله ، ورغبة فيما عند الله من الخير ، ورهبة من سوء الخاتمة ، فمن ترك شيئاًً لله عوضه الله خيراً منه . 
الدخان معصية لله ولرسوله قال تعالى : { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين } [ النساء 14 ] . وقال جل وعلا : { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً * حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصراً وأقل عدداً } [ الجن 23 ] . 
وقال تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً } [ النساء 29 ] ، وقوله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } [ البقرة 195 ] . 
ففي الدخان قتل للنفس ، وتدمير لها وإزهاق لها ، وإلقاء بها إلى التهلكة ، وقد أجمع العلماء قاطبة والأطباء جميعاً على تحريمه وضرره . وقد يسأل سائل فيقول : ما ذكر الدخان في القرآن فكيف تقولون إنه حرام ؟ 
الجواب : نقول له : وهل ذُكر الرز واللحم ، والبرتقال الموز والعصيرات بأنواعها وغيرها من الطيبات هل ذُكرت في القرآن ؟ 
وأعتقد أنه سيقول : أن هذه الأشياء من مأكولات ومشروبات مباحة لما فيها من الفائدة أو لأنها لا تضر أصلاً ، فنقول : وهل في الدخان من فائدة ؟ إن كان فيه أدنى فائدة فاذكرها لنا ؟ ومن الطبيعي أنه إن كان يريد المجادلة من أجل أن يتيقن بتحريم الدخان فسيجيب أن الدخان لا فائدة منه بل كله مضار إذاً هو حرام ، فلماذا نكابر ونعاند . فما أجمل أن نتبع الحق ، لأن الحق أحق أن يتبع . 
وإن قيل : أن الدخان مكروه ، فهو عند الله مكروه وصاحبه ومتعاطيه وشاربه وبائعه وموزعه مكروه عند الله ، لأن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه ، وإن كرهك الله تعالى لفعلك ما يغضبه سبحانه ويكرهه فمن يحبك ؟ هذه مصيبة عظيمة ، وأمر خطير ، أن يتساهل الإنسان بالأوامر والزواجر التي جاء بها الكتاب العزيز ، والسنة المطهرة . 
فالتدخين من وسائل الإعتداء على جسد الإنسان بإتفاق الأطباء وهو من العادات التي انتشرت في المجتمع رغم ضررها البالغ عليه ، والعادة تتغير ، فكما ان الإنسان بدأ التدخين من لا شيء فسهل أن يعود كما كان عليه . أضرار التدخين : 
للتدخين أضرار كثيرة جداً لعلنا نتطرق إلى جزء منها فقط للفائدة والعظة والعبرة لمن كان لديه قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ومن هذه الأضرار : 
أولاً : الأضرار الصحية : 
1- السموم التي فيه تسبب تخريش في الجلد ، وبعضها يسبب البصاق والسعال ، وظهور اللون الأصفر عند المدخن ، وقد أجريت تجارب للتخلص من هذه السموم ولكنها باءت بالفشل ، وبعض هذه السموم تفتك بالأغشية الرقيقة الملتفة حول الأوتار الصوتية فيسبب ذلك البحة عند المدخن . 
2- يسبب التدخين ضيقاً في التنفس بسبب خراب الأكياس الهوائية في الرئتين ، ويسبب آلام الحلق . 
3- يضعف حاسة الشم والذوق والنظر والقدرة على تمييز الألوان . 
4- يزيد من عدد نبضات القلب فينتج عن ذلك السكتة القلبية ، ولاشك أن ذلك من سوء الخاتمة أعاذنا الله وإياكم منها . 
5- تتكدس السموم في الكبد ، فيشعر المدخن بالتعب والإرهاق لأي مجهود ، لأن الكبد لا تستطيع حجز السموم بهذه الكثرة . 
6- يسبب التدخين ارتفاع في ضغط الدم وتصلب الشرايين الذي يؤدي إلى موت الفجأة ، وهذا أيضاً من سوء الخاتمة ، نسأل الله أن يقينا هذه الشرور. 
7- التدخين من الأسباب الرئيسة لامراض السرطان أي سرطان الرئة ، وقد أجرى أحد الباحثين تجربة ، حيث أحضر عدداً من الفئران ووضع على جلدها محلول دخان السيجارة فظهر بعد خمسة عشر يوماً ورم السرطان . واعلم أن سرطان الرئة يندر بين غير المدخنين . وقد مات بهذا المرض عام 1963 م في بريطانيا 25 ألف شخص ، وفي أمريكا 41 ألف شخص . 
فاعتبروا يا أولي الأبصار . 
8 – كثرة السعال عند المدخنين . 
9 - توقف نمو الجسم . 
10 – التدخين مفتر للأعصاب والمخ ، لأنه يحدث انتعاش وقتي ، 
فما يلبث أن يزول ويشعر صاحبه بالخمول والكسل والفترة . 
11 – المدخن لا يستطيع القيام بأي نشاط رياضي ، وإن قام به فهو 
مهزوز . 
ثانياً : الأضرار النفسية : 
1 – هبوط مستوى الذكاء عند المدخنين ، وهذه حالة ملموسة عند الكثير من المدخنين . 
2 – حب التسلط عند المدخن ، فتجده كثير المشاكل والقلاقل . 
3 – المدخن عصبي المزاج ، وكثير القلق والشرود الذهني . 
4 – ملامح شخصية المدخن غير متميزة بل متذبذبة ، فهو كالإمعة . 
ثالثاً: الأضرار الاجتماعية والاقتصادية : 
1 – صرف مبالغ مالية طائلة على الدخان ، و والله لسوف يسأل المدخن عن هذا المال من أين اكتسبه ؟ و فيما أنفقه ؟ فأعد أيها المدخن للسؤال جواباً ؟ وللجواب صواباً ؟ ولن تستطيع ذلك ، إذاً تب إلى الله وأقلع عن التدخين . 
2 – يسبب كثيراً من الحرائق ، وذلك بسبب إلقاء بقايا السجائر ، وأعقاب الكبريت التي تستعمل في إشعال السيجارة . 
3 – رائحته تؤذي الناس الذين لا يستعملونه وتضايقهم . ومعلوم أن أذية المسلم حرام ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من آذى مسلماً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله " . [ رواه أحمد الطبري ] ، فهل تبلغ أن تؤذي ربك سبحانه وتعالى الذي بيده ملكوت كل شيء وهو الواحد القهار . فعد إلى ربك وارجع إليه وأعقد العزم على التوبة النصوح التي تمحو بها ما سلف من الذنوب والمعاصي . 
رابعاً : الأضرار الدينية : 
1 – يثقل عن العبادة . 
2 – يبعد العبد عن فعل المأمورات ، ويحثه ويجرئه على ارتكاب المنهيات . 
3 – يدعو إلى مخالطة الأراذل من الناس . 
4 – يزهد في مجالسه الأخيار . 
5 – يكون العبد مألفاً للأشرار ، مبتعداً عن الأخيار . 
6 – يتصف صاحبه بالصفات القبيحة . 
7 – عنوان على سقوط الأخلاق . 
أقبل على ربك بقلب خاشع منيب ، لعله سبحانه أن يقبلك مع التائبين . 
كانت تلك جملاً من بعض أضرار التدخين ، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعين المدخنين على ترك هذه العادة المحرمة الدخيلة على بلاد المسلمين . 
فإذا اقتنعت بأضرار التدخين السابقة فإليك أقوال العلماء في الدخان : 
أقوال العلماء في التدخين : 
يقول سماحة الشيخ العلامة بن باز رحمه الله تعالى : (( والدخان لا يجوز شربه ولا بيعه ولا التجارة فيه كالخمر ، والواجب على من يشربه أو يتجر فيه البدار بالتوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى والندم على ما مضى والعزم على أن لا يعود إلى ذلك )) . 
ويقول الشيخ بن عثيمين حفظه الله تعالى : (( فنصيحتي لإخواني المسلمين الذين ابتلوا بشرب الدخان أن يستعينوا بالله عز وجل ويعقدوا العزم على تركه ، وفي العزيمة الصادقة مع الإستعانه بالله ورجاء ثوابه ، والهرب من عقابه ففي ذلك كله معونة على الإقلاع عنه )) . 
 وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله : (( أما الدخان شربه والاتجار به والإعانة على ذلك فهو حرام لا يحل لمسلم تعاطيه شرباً واستعمالاً واتجاراً وعلى من كان يتعاطاه أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً . كما يجب عليه أن يتوب من جميع الذنوب )) . 
أقوال الأطباء في التدخين : 
وأما أقوال الأطباء فإليكها متتابعة : 
يقول الدكتور الألماني هربرت ويلسن : (( وقد وجد الأطباء الثلاثة ( أرب ، وميز ، وبرجر في التجارب التي أجروها على المدخنين أن التدخين يسبب تقلص الأوعية الدموية في الأطراف ، وفوق ذلك وجدوا أن تدخين سيجارة واحدة أو سيجارتين كاف لأن يخفض حرارة الجلد في أطراف الأصابع . 
ويقول الدكتور سيربار كلي وهو علم بين جراحي إنجلترا المعروفين : (( إن للتدخين اليد الطولى في إحداث قروح المعدة فهو يؤثر في غدد المعدة تأثيراً بليغاً ويزيد إفرازها للعصارة التي تحتوي على حامض ( الهيدروكلوريك ) وهذه الزيادة لا تدعو إلى تقرح المعدة فقط بل تمنع شفاءها في حالة حدوثها )) . 
ويمتنع كثير من الأطباء في العالم عن معالجة أية حالة من حالات القروح المعوية والمعدية إلا إذا امتنع المصاب بها عن التدخين . 
ويقول الدكتور كنعان الجابي : (( لقد مضى على معالجتي للسرطان 25 عاماً فلم يأتني مصاباً بسرطان الحنجرة إلا مدخن )) . 
وقال بعض الأطباء المعتبرين : (( أنه لا يشرب الدخان إنسان سليم العقل ، بل كل من يشربه فإنه مصاب بعقله بشعبة من الجنون ، لأنه لو كان قويم العقل لم يدخل دخانا في جوفه ، فإنه يعمل في جوفه كما يؤثر الدخان في جدران المنزل الذي تشب فيه النار )) . 
وجاء في تقرير الكلية الملكية للأطباء بلندن : (( أن تدخين السجائر في العصر الحديث يسبب من الوفيات ما كانت تسببه أشد الأوبئة خطراً في العصور السابقة . . . وجاء في التقرير أيضاً : أن 95% من مرضى شرايين الساقين هم من المدخنين )) . 
وجاء في تقرير لأحد مراكز البحوث الأمريكية : (( أن التدخين يؤدي إلى أعلى نسبة وفيات في العالم بالمقارنة بالحروب والمجاعات )) . 
ومن محاسن الإسلام ومما جاء به من تيسير على الناس أنه ما حرم شيئاً عليهم إلا عوضهم خيراً منه مما يسد مسده ويغني عنه : 
فحرم الإسلام الاستقسام بالأزلام وعوضهم عنه القرعة ودعاء الاستخارة. 
وحرم القمار وعوضهم عنه أكل المال بالمسابقة النافعة في الدين بالخيل والإبل والسهام ، وحرم عليهم الحرير وعوضهم عنه بالملابس الفاخرة من الصوف والقطن والكتان ، وحرم عليهم الزنا واللواط وعوضهم عنه الزواج الحلال . 
وحرم عليهم الخمر والدخان والمسكرات وعوضهم عنها بالأشربة اللذيذة النافعة الحلال . 
وحرم عليهم الخبائث من المطعومات وعوضهم عنها بالمطاعم الطيبات ، وهكذا فالله جل شأنه يسر الدين للناس ، حتى يكونوا على بصيرة وعلم ومعرفة بالحلال والحرام والمتشابه . 
وبعد عرض مختصر لأقوال بعض العلماء والأطباء في حكم الدخان وأضراره ، لا يليق بإنسان بمنصف عاقل ، أن يتردد في تحريمه والمنع منه وتركه نهائياً ، اللهم إلا مكابر معاند عاص لربه سبحانه ، لا يعدل عند الله جناح بعوضه . 
أيها المسلم ! إياك والتردد في ترك الدخان ، وإياك وكلمة سوف فهي الهالكة الحالقة التي تهلك قائلها بتأخيره لتوبته ، وتحلق حسن الخاتمة وتحولها إلى سوء خاتمة . 
فكم للدخان من ضحية ، وكم أوقع في بلية ، وكم جر إلى رزية ، مع إخلال في المروءة والشرف والقدح في الشهادة . وليس ينفع العبد سوى الباقيات الصالحات التي يقدمها لنفسه ولا منجا من عذاب الله وعقوبته إلا بتقواه وعبادته وإقامة شرعه وتحكيم كتابه وسنة نبية صلى الله عليه وسلم . وإني أناشد فيك تلك الروح الطيبة وذلك الإيمان الخالص الدفين ، وأناشد فيك تلك الفطرة السليمة التي فطرك الله عليها ، بأن تقبل على الله تعالى ، وتعود إلى الله الربُ الرحيم ، الربُ الغفور ، غافر الذنب وقابل التوب ، وليس عيباً أن تخطي فكل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ، ولكن العيب كل العيب أن تستمر في خطئك وتصر على معصيتك وعنادك ، هذا هو العيب . يقول الله تعالى : { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } [ النور 31 ] . ويقول المولى جل شأنه : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } [ التحريم 6 ] ، ويقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات‎تجري من تحتها الأنهار } [ التحريم 8 ] . 
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلي الله وسلم علي نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين للمزيد من الدروس والبرامج الإسلامية أرجوا زيارتنا علي هذا الموقع . http://khalid-aljorane85.hexat.com